فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط؛ ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة؛ كقوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22]، وقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ} [الروم: 39] فخاطب ثم قال: {فأولئك هُمُ المضعفون} [الروم: 39] فرجع إلى الغيبة.
فالهاء والميم في {مِثْلَيْهِم} يحتمل أن يكون للمشركين، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثليْ ما هم عليه من العدد؛ وهو بعيد في المعنى؛ لأن الله تعالى لم يُكْثر المشركين في أعين المسلمين بل أعلمنا أنه قلَّلَهم في أعين المؤمنين، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مِثليْكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فقلَّلَ الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مِثَليْ عِدّتهم لتقوى أنفُسهم ويقع التجاسُر، وقد كانوا أُعلِموا أنّ المائة منهم تغلب المائتين من الكفار، وقلّل المسلمين في أعين المشركين ليجْتَرئوا عليهم فينْفُذ حكم الله فيهم.
ويحتمل أن يكون الضمير في {مِثليْهِم} للمسلمين، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مِثليْ ما أنتم عليه من العدد، أي ترون أنفسكم مثليْ عددكم؛ فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين.
والتأويل الأوّل أولى؛ يدل عليه قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} [الأنفال: 43] وقوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} [الأنفال: 44].
وروى عن ابن مسعود أنه قال: قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أظنهم مائة.
فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفًا.
وحكى الطبريّ عن قوم أنهم قالوا: بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضِعفيْهم.
وضعَّف الطبري هذا القول.
قال ابن عطية: وكذلك هو مردود من جهات.
بل قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين كما تقدّم.
وعلى هذا التأويل كأن يكون ترون للكافرين، أي ترون أيها الكافرون المؤمنين مثليهم، ويحتمل مثليكم، على ما تقدّم.
وزعم الفرّاء أنّ المعنى تروْنَهم مثلَيْهم ثلاثةَ أمثالهم.
وهو بعيدٌ غير معروف في اللغة.
وقال الزجاج: وهذا باب الغلط، فيه غلط في جميع المقاييس؛ لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويًا له، ونعقِل مثليْه ما يساويه مرتين.
قال ابن كَيْسان: وقد بين الفرّاء قوله بأن قال: كما تقول وعندك عبدٌ: أحتاج إلى مثله، فأنت محتاج إليه وإلى مثله.
وتقول: أحتاج إلى مثليه، فأنت محتاج إلى ثلاثة.
والمعنى على خلاف ما قال، واللغةُ.
والذي أوقع الفرّاء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر؛ فتوهّم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عِدّتهم، وهذا بعيد وليس المعنى عليه.
وإنما أراهم الله على غير عِدّتهم لجهتين: إحداهما أنه رأى الصلاح في ذلك؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك.
والأخرى أنه آية للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي ذكر وقعة بدر إن شاء الله تعالى.
وأمّا قراءة الياء فقال ابن كيسان: الهاء والميم في {يرونهم} عائدة على {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} والهاء والميم في {مثليْهم} عائدة على {فِئَةٌ تُقَاتِلُ في سَبِيلِ الله} وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام، وهو قوله: {يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ}.
فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مِثْلَي المسلمين في رأي العين وثلاثة أمثالهم في العدد.
قال: والرؤية هنا لليهود.
وقال مكيّ: الرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله، والمرئية الفئة الكافرة؛ أي ترى الفئةُ المقاتلة في سبيل الله الفئةَ الكافرة مثْلَي الفئة المؤمنة، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة فقلّلهم الله في أعينهم على ما تقدّم.
والخطاب في {لكم} لليهود.
وقرأ ابن عباس وطلحة {تُرَوْنَهم} بِضم التاء، والسلميّ بالتاء مضمومة على ما لم يسم فاعله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

فإن قيل: كيف يقال: إن المشركين استكثروا المسلمين، وإن المسلمين استكثروا المشركين، وقد بين قوله تعالى: {وإِذ يريكموهم إِذ التقيتم في أعينكم قليلًا ويقللكم في أعينهم} [الأنفال: 44] أن الفئتين تساوتا في استقلال إحداهما للأخرى؟ فالجواب: أنهم استكثروهم في حال، واستقلوهم في حال، فإن قلنا: إن الفئة الرائية المسلمون، فإنهم رأوا عدد المشركين عند بداية القتال على ماهم عليه، ثم قلل الله المشركين في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم، فنصرهم الله بذلك السبب.
قال ابن مسعود: نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم، فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا.
وقال في رواية اخرى: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا منهم رجلًا، فقلت: كم كنتم؟ قال: ألفًا.
وإن قلنا: إن الفئة الرائية المشركون، فإنهم استقلوا المسلمين في حال، فاجترؤوا عليهم، واستكثروهم في حال، فكان ذلك سبب خذلانهم، وقد نقل أن المشركين لما أسروا يومئذ، قالوا للمسلمين: كم كنتم؟ قالوا: كنا ثلاثمائة وثلاثة عشر.
قالوا: ما كنا نراكم إلا تضعفون علينا. اهـ.

.قال في روح البيان:

قللهم أولا في أعينهم حتى اجترأوا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى أبلغ في القدرة وإظهار الآية. اهـ.

.قال ابن كثير:

وقوله: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}.
قال بعض العلماء- فيما حكاه ابن جرير: يرى المشركون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم، أي: جعل الله ذلك فيما رأوه سببًا لنصرة الإسلام عليهم. وهذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة، وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذ قبل القتال يحزر لهم المسلمين، فأخبرهم بأنهم ثلاثمائة، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا. وهكذا كان الأمر، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ثم لما وقع القتال أمدّهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم.
والقول الثاني: أن المعنى في قوله: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} أي: ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم، أي: ضعفيهم في العدد، ومع هذا نصرهم الله عليهم. وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي، عن ابن عباس أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركين كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا. وكأن هذا القول مأخوذ من ظاهر هذه الآية، ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس، وخلاف المعروف عند الجمهور من أن المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف كما رواه محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدّة قريش، فقال: كثير، قال: «كم ينحرون كل يوم؟» قال: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف».
وروى أبو إسحاق السَّبِيعي، عن حارثة، عن علي، قال: كانوا ألفًا، وكذا قال ابن مسعود. والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف، وعلى كل تقدير فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين، وعلى هذا فيشكل هذا القول والله أعلم. لكن وجه ابن جرير هذا، وجعله صحيحًا كما تقول: عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها، وتكون محتاجًا إلى ثلاثة آلاف، كذا قال. وعلى هذا فلا إشكال.
لكن بقي سؤال آخر وهو وارد على القولين، وهو أن يقال: ما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصة بدر: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا}؟ [الأنفال: 44] والجواب: أن هذا كان في حال، والآخر كان في حال أخرى، كما قال السُّدِّي، عن مرة الطيب عن ابن مسعود في قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} الآية، قال: هذا يوم بدر. قال عبد الله بن مسعود: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يُضْعَفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدًا، وذلك قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}.
وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفا. فعندما عاين كل الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم، أي: أكثر منهم بالضعف، ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبوا الإعانة من ربهم، عز وجل. ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع، ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، ليقدم كل منهما على الآخر.
{لِيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا} أي: ليفرّق بين الحق والباطل، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر، ويعز المؤمنين ويذل الكافرين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123] وقال هاهنا: {وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} أي: إن في ذلك لمعتبرًا لمن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. اهـ.

.قال ابن عادل:

فأما قراءة نافع ففيها ثمانية أوجهٍ:
أحدها: أن الضميرَ في {لَكُمْ} والمرفوع في {تَرَوْنَهُمْ} للمؤمنين، والضمير المنصوب في {تَرَوْنَهُمْ} والمجرور في {مِثْلَيْهِمْ} للكافرين، والمعنى: قد كان لكم- أيها المؤمنون- آية في فئتين بأن رأيتم الكفارَ مثلي أنفسهم في العدد، وهو أبلغ في القدرة؛ حيث رأى المؤمنون الكافرين مثلي عَدَدِ الكافرين، ومع ذلك انتصروا عليهم وغلبوهم، وأوقعوا بهم الأفاعيلَ، ونحوه قوله تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله} [البقرة: 249].
واستبعد بعضهم هذا التأويلَ؛ لقوله تعالى- في الأنفال [الآية: 44]-: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا}، فالقصة واحدة، وهناك تدل الآية على أن الله- تعالى- قلَّل المشركين في أعين المؤمنين؛ لئلا يَجْبُنُوا عنهم، وعلى هذا التأويل- المذكور هاهنا- يكون قد كثرهم في أعينهم. ويمكن أن يجاب باختلاف الحالين؛ وذلك أنه في وقتٍ أراهم إياهم مثلي عددهم؛ ليمتحنهم ويبتليهم، ثم قلَّلهم في أعينهم؛ ليقدموا عليهم، فالآيتان باعتبارين، ومثله قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39]، وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وقوله: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 42] مع قوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [المرسلات: 35].
قال الفرّاء: المراد بالتقليل: التهوين، كقولك- في الكلام- إني لأرى كثيركم قليلًا، أي: قد هوّن عليّ، لا أني أرى الثلاثة اثنين.
الثاني: أن يكون الخطاب في {تَرَوْنَهُم} للمؤمنين- أيضا- والضمير المنصوب في {تَرَوْنَهُمْ} للكافرين- أيضا- والضمير المجرور في {مِثْلَيْهِمْ} للمؤمنين، والمعنى: تَرَوْنَ أيُّها المؤمنون الكافرين مثلَي عدد أنفسكم، وهذا تقليلٌ للكافرين عند المؤمنين في رأي العينِ؛ وذلك أن الكفار كانوا ألفًا ونَيِّفًا، والمسلمون على الثلث منهم، فأراهم إياهم مِثْلَيْهم، على ما قرر عليهم- في مقاومة الواحدِ للاثنين- في قوله تعالى: {فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مائة صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال: 66] بعدما كُلِّفوا أن يقاوم كلُّ واحد عشرة في قوله تعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مائة يغلبوا أَلْفًا مِّنَ الذين كَفَرُواْ} [الأنفال: 65].
قال الزمخشريُّ- رحمه الله- وقراءة نافع لا تُساعِد عليه، يعني على هذا التأويل المذكور ولم يُبين وجه عدم المساعدةِ، ووجهه- والله أعلم- أنه كان ينبغي أن يكون التركيبُ: ترونهم مثليكم- بالخطاب في {مِثْلَيهم} لا بالغيبة.
قال أبو عبدِ الله الفارسيّ- بعد الذي ذكره الزمخشريّ-: قلت: بل يُساعد عليه، إن كان الخطاب في الآية للمسلمين، وقد قيل ذلك. اهـ.
وقال ابن عادل:
فلم يأت أبو عبد الله بجواب؛ إذ الإشكالُ باقٍ. وقد أجاب بعضهم عن ذلك بجوابين:
أحدهما: أنه من باب الالتفاتِ من الخطاب إلى الغيبة، وأنَّ حقَّ الكلام: مثلَيْكم- بالخطاب- إلا أنه التفت إلى الغيبة، ونظَّره بقوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22].
والثاني: أن الضمير في {مِثْلَيْهِمْ} وإن كان المراد به المؤمنين إلا أنه عاد على قوله: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله}، والفئة المقاتلة في سبيل الله عبارة عن المؤمنين المخاطبين.
والمعنى: تَرَوْنَ- أيها المؤمنون- الفئةَ الكافرةَ مثلي الفئة المقاتلة في سبيل الله، فكأنه قيل: ترونهم- أيها المؤمنون- مثليكم، وهو جواب حسن.
فإن قيل: كيف يرونهم مثليهم رأيَ العينِ، وقد كانوا ثلاثة أمثالكم؟
فالجواب: أن الله- تعالى- إنما أظهر للمسلمين من عدد المشركين القدر الذي علم المسلمون أنهم يغلبونهم؛ وذلك لأنه- تعالى- قال: {فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مائة صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} فأظهر ذلك العدد من المشركين للمؤمنين؛ تقوية لقلوبهم، وإزالةٌ للخوف عن صدورهم.
الثالث: أن يكون الخطاب في {لَكُمْ} وفي {تَرَونَهُم} للكفار وهم قريش، والضمير المنصوب والمجرور للمؤمنين أي: قد كان لكم- أيها المشركون- آية؛ حيث ترون المسلمين مثلي أنفسهم في العدد، فيكون قد كثرهم في أعين الكفارِ، ليجبنُوا عنهم، فيعود السؤالُ المذكور بين هذه الآية، وآية الأنفال، وهي قوله تعالى: {وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44]، فكيف يقال- هنا- أنه يكثرهم؟ فيعود الجواب المتقدم باختلاف الحالتين، وهو أنه قللهم أولًا، ليجترئ عليهم الكفارُ، فلما التقى الجمعان كثرهم في أعينهم؛ ليحصل لهم الخَوَرُ والفَشَلُ.
الرابع: كالثالث، إلا أن الضمير في {مثليهم} يعود على المشركين، فيعودُ ذلك السؤالُ، وهو أنه كان ينبغي أن يقال: مثليكم، ليطابق الكلام، فيعود الجوابان.
وهما: إما الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وإما عوده على الفئة الكافرة؛ لأنها عبارة عن المشركين، كما كان ذلك الضمير عبارة عن الفئة المقاتلة، ويكون التقدير: ترون- أيها المشركون- المؤمنين مثلي فئتكم الكافرة. وعلى هذا فيكونون قد رَأوا المؤمنين مثلي أنفسِ المشركين- ألفين ونيفًا- وهذا مَدَدٌ من الله تعالى، حيثُ أرى الكفارَ المؤمنين مثلي عدد المشركين، حتى فشلوا، وجبنوا، فطمع المسلمون فيهم، فانتصروا عليهم، ويؤيده قوله تعالى: {والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ} [آل عمران: 13] الإرادة- هنا- بمنزلة المدد بالملائكة في النصرة بكليهما، ويعود السؤال، وهو كيف كثرهم إلى هذه الغايةِ مع قوله- في الأنفال-: {وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44]؟ ويعود الجواب.